فصل: الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «هَدَايَا الْعمَّال غلُول».
هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن أبي حميد رَفعه بِهِ سَوَاء، وَإِسْمَاعِيل ضَعِيف فِي رِوَايَته عَن الْحِجَازِيِّينَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا إِلَّا أَنه قَالَ: «الْأُمَرَاء» بدل «الْعمَّال» وَلابْن شاهين مثل لفظ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِي إِسْنَاده يَحْيَى بن نعيم وَلَا أعرفهُ، وَمُحَمّد بن الْحسن بن بكير وَهُوَ كَذَّاب كَمَا قَالَ البرقاني، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: خلط الْجيد بالرديء فأفسده. وَلابْن عدي مثل لفظ الرَّافِعِيّ سَوَاء من حَدِيث أَحْمد بن مُعَاوِيَة الْبَاهِلِيّ، عَن النَّضر بن شُمَيْل، عَن ابْن عون، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ أَحْمد هَذَا حَدِيث بَاطِل وَكَانَ يسرق الحَدِيث. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «هَدَايَا الْعمَّال سحت».
قلت: أخرجه بِهَذَا اللَّفْظ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ فِي كِتَابه تَلْخِيص الْمُتَشَابه من حَدِيث أنس رَفعه «هَدَايَا السُّلْطَان سحت وَغُلُول». قلت: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عدلت شَهَادَة الزُّور الْإِشْرَاك بِاللَّه تَعَالَى وتلى قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} الْآيَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث خريم- بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ رَاء مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة- بن فاتك الْأَسدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح، فَلَمَّا انْصَرف قَامَ قَائِما، فَقَالَ: عدلت شَهَادَة الزُّور بالإشراك بِاللَّه- ثَلَاث مَرَّات- ثمَّ قَرَأَ {وَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور حنفَاء لله غير مُشْرِكين}» وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك إِلَّا أَنه لم يقل «ثَلَاث مَرَّات» وَرِجَال إِسْنَاده كلهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح إِلَّا حبيب بن النُّعْمَان الْأَسدي فَلم يرو لَهُ إِلَّا د ق وَلَا أعرف من جرحه وَلَا من عدله. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث وَلَا يعرف حَاله. قلت: ثمَّ آخر اسْمه حبيب- مخفف، تَصْغِير حبيب بن النُّعْمَان الْأَسدي- لَهُ عَن أنس بن مَالك، وخريم أَيْضا أَو أَيمن بن خريم لَيْسَ لَهُ ذكر فِي الْكتب السِّتَّة فِيمَا ظهر لي، قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي حَقه: لَهُ مَنَاكِير. وَقد يكونَانِ وَاحِدًا كَمَا تردد فِيهِ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان وَعَلَى هَذَا التَّقْدِير فإسناده واه؛ لِأَنَّهُ دائر بَين مَجْهُول وَضَعِيف إِلَّا زِيَاد الْكُوفِي الْعُصْفُرِي فَإِنَّهُ لَا يُدْرَى من هُوَ، وَانْفَرَدَ بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ د ق وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي حَقه: إِنَّه مَجْهُول. وَفِي الْمِيزَان للذهبي: زِيَاد أَبُو الورقاء الْكُوفِي الْعُصْفُرِي وَالِد سُفْيَان رَوَى عَن حُبيب- بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالتَّخْفِيف- بن النُّعْمَان الْأَسدي عَن خريم بن فاتك، وَزِيَاد لَا يُدْرَى من هُوَ عَن مثله، رَوَى عَنهُ وَلَده سُفْيَان بن زِيَاد هَذَا الحَدِيث، وَقيل: عَن حبيب عَن أَيمن بن خريم. هَذَا كَلَامه، وَهُوَ جزم مِنْهُ بِأَنَّهُ هُوَ المخفف، قلت: وخريم بن فاتك لَهُ صُحْبَة، وَهُوَ مَشْهُور لَهُ عدَّة أَحَادِيث، وَهُوَ بَدْرِي كَمَا قَالَ البُخَارِيّ وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا التِّرْمِذِيّ فِي جامعه فِي أَبْوَاب الشَّهَادَات، وَرِوَايَة أَيمن بن خريم بن الأخرم بن شَدَّاد بن فاتك «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، عدلت شَهَادَة الزُّور إشراكًا بِاللَّه. ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور}». وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «عدلت شَهَادَة الزُّور إشراكًا بِاللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- ثَلَاثًا...» ثمَّ ذكر الْآيَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث سُفْيَان بن زِيَاد- يَعْنِي: حَدِيث خريم بن فاتك السالف- قَالَ: وَقد اخْتلف فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَنهُ وَلَا نَعْرِف لأيمن بن خريم بن فاتك السالف سَمَاعا من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر غير التِّرْمِذِيّ أَن لَهُ صُحْبَة وَأَنه رَوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حديثين اخْتلف فِي أَحدهمَا وَرجح يَحْيَى بن معِين حَدِيث خريم بن فاتك كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ.

.الحديث السَّادِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر».
هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن مولَى لربعي بن حِرَاش عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جُلُوسًا فَقَالَ: مَا أَدْرِي قدر مقَامي فِيكُم؛ فاقتدوا باللذين من بعدِي، وَأَشَارَ إِلَى أبي بكر وَعمر، وتمسكوا بِهَدي عمار وَمَا حَدثكُمْ ابْن مَسْعُود فصدقوه» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي المناقب من جامعه وَابْن مَاجَه فِي كتاب السّنة من سنَنه من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن زَائِدَة، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن مولَى لربعي بن حِرَاش عَن ربعي بن حِرَاش، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا بِلَفْظ أَحْمد الأول، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر نَحوه، ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. قَالَ: وَكَانَ سُفْيَان يُدَلس فِي هَذَا فَرُبمَا ذكر زَائِدَة وَرُبمَا لم يذكرهُ. وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن هِلَال مولَى ربعي، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة. وَعَن عَمْرو بن هرم، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة. وَعَن سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن مولَى لربعي، عَن ربعي بِهِ. وَقَالَ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَيْضا. عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن يَحْيَى بن سَلمَة بن كهيل، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن عبد الله بن هَانِئ أبي الزَّعْرَاء الأودي الْكُوفِي، عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث يَحْيَى بن سَلمَة، وَيَحْيَى مضعف الحَدِيث. وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن شيبَة، عَن وَكِيع، عَن سَالم الْمرَادِي، عَن عَمْرو بن هرم، عَن ربعي بن حِرَاش وَأبي عبد الله، عَن رجل من أَصْحَاب حُذَيْفَة، عَن حُذَيْفَة بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه لكنه قَالَ عَمْرو بن مرّة، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي لأرَى مقَامي فِيكُم إِلَّا قَلِيلا، فاقتدوا باللذين من بعدِي، وَأَشَارَ إِلَى أبي بكر وَعمر واهتدوا بِهَدي عمار، وَمَا حَدثكُمْ ابْن مَسْعُود فاقبلوه».
قلت: وَله طَرِيق آخر مُنكر، وَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه، ثمَّ قَالَ: هَذَا ملصق بِمَالك رَوَاهُ بِهِ أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب الْبَاهِلِيّ وَأمره بَيِّنٌ ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه بعد أَن أخرجه من حَدِيث مَالك: هَذَا حَدِيث مُنكر لَا أصل لَهُ من حَدِيث مَالك. قَالَ: وَهُوَ يرْوَى عَن حُذَيْفَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بأسانيد جِيَاد تثبت. وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن هِلَال مولَى ربعي، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا «اقتدوا باللذين من بعدِي...» وَرَوَاهُ زَائِدَة وَغَيره عَن عبد الْملك، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا، أَيهمَا أصح؟ قَالَ: مَا قَالَ الثَّوْريّ زَاد رجلا وجود الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي فَضَائِل أبي بكر من حَدِيث حَفْص بن عمر الْأَيْلِي، عَن مسعر بن كدام، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر كَمَا تقدم ومن حَدِيث سُفْيَان بن سعيد ومسعر عَن عبد الْملك بِهِ ومن حَدِيث وَكِيع عَن مسعر بِهِ، وَمن حَدِيث ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث من أجل مَا رُوِيَ فِي فَضَائِل الشَّيْخَيْنِ وَيثبت بِمَا ذكرنَا صِحَّته وَإِن لم يخرجَاهُ، وَقد وجدنَا لَهُ شَاهدا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عبد الله بن مَسْعُود... فَذكره بِإِسْنَاد مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَأما مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيّ عَن مولَى ربعي- مَجْهُول- وَعَن الْمفضل الضَّبِّيّ. وَلَيْسَ بِحجَّة هَذَا كَلَامه، وَقد علمت أَنه يرْوَى من غير مَا ذكره كَمَا ذكرته لَك من طرق، وَمولى ربعي قد عرفت أَنه هَالك، وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْبَزَّار والمفضل هَذَا لَا أعلمهُ ورد فِي طَرِيق.

.الحديث السَّابِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْعِرْبَاض بن سَارِيَة السّلمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم ثمَّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون، ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَأَنَّهَا موعظة مُودع فأوصنا، قَالَ: أوصيكم بتقوى الله- عَزَّ وَجَلَّ- والسمع وَالطَّاعَة، وَإِن تَأمر عَلَيْكُم عبد، وَإنَّهُ من يَعش مِنْكُم فسيرى اخْتِلَافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ، وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور، فَإِن كل بِدعَة ضَلَالَة قَالَ» التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَرُبمَا زَاد الْحَرْف والكلمة، وَفِي آخِره «فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة». وَقَالَ الْبَزَّار: وَهُوَ أصح إِسْنَادًا من حَدِيث حُذَيْفَة «اقتدوا باللذين من بعدِي...» لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِي إِسْنَاده، ومتكلم فِيهِ من أجل مولَى ربعي وَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم: هُوَ كَمَا قَالَ، حَدِيث الْعِرْبَاض ثَابت وحَدِيث حُذَيْفَة حسن. قَالَ: وَقد رَوَى عَن مولَى ربعي، عبد الْملك بن عُمَيْر وَهُوَ كَبِير قلت: مَعَ ذكر ابْن حبَان لَهُ فِي الثِّقَات أَيْضا. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي أَوَائِل مُسْتَدْركه من رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد عَن خَالِد بن معدان عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ عَن العرباص بن سَارِيَة مَرْفُوعا بِهِ ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح لَيْسَ لَهُ عِلّة وَقد احْتج- البُخَارِيّ بِعَبْد الرَّحْمَن.
قلت: عبد الرَّحْمَن لم يخرج لَهُ أصلا. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا توهما أَنه لَيْسَ لَهُ راوٍ عَن خَالِد بن معدان غير ثَوْر بن يزِيد، وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث الْمخْرج حَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن خَالِد بن معدان. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ عَنهُ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ جَمِيعًا وَلَا أعرف لَهُ عِلّة. قَالَ: وَقد تَابع ضَمرَة بن حبيب خَالِد بن معدان عَلَى رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ عَنهُ. قَالَ: وَقد تَابع عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو عَلَى رِوَايَته عَن الْعِرْبَاض ثَلَاثَة من الْأَثْبَات الثِّقَات من أَئِمَّة الشَّام مِنْهُم: حجر بن حجر الكلَاعِي، وَيَحْيَى بن أبي المطاع الْقرشِي، ومعبد بن عبد الله بن هِشَام الْقرشِي، وَلَيْسَ الطَّرِيق إِلَيْهِ من شَرط هَذَا الْكتاب فتركته. قَالَ: وَقد استقصيت فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث بعض الِاسْتِقْصَاء عَلَى مَا أرَى إِلَيْهِ اجتهادي وَكتب فِيهِ كَمَا قَالَ إِمَام أَئِمَّة الحَدِيث شُعْبَة فِي حَدِيث عبد الله بن عَطاء عَن عقبَة بن عَامر لما طلبه بِالْبَصْرَةِ والكوفة وَالْمَدينَة وَمَكَّة، ثمَّ عَاد الحَدِيث إِلَى شهر بن حَوْشَب فَتَركه، ثمَّ قَالَ شُعْبَة: لِأَن يَصح لي مثل هَذَا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أحب إِلَيّ من وَلَدي ووالدي وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. قَالَ الْحَاكِم: وَقد صَحَّ هَذَا الحَدِيث وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي كِتَابه حجر بن حجر لَا يعرف، وَلَا أعرف أحدا ذكره فَأَما عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ فالرجل مَجْهُول الْحَال، والْحَدِيث من أَجله لَا يَصح.
قلت قد صحّح ابْن حبَان من طريقهما، وَعبد الرَّحْمَن أشهر من حجر، فَإِنَّهُ رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقد وثقهما مَعَ ابْن حبَان الْحَاكِم كَمَا سلف، وَاخْتَارَ الْبَزَّار طَريقَة يَحْيَى بن أبي المطاع، وَهُوَ ثِقَة كَمَا شهد لَهُ بذلك دُحَيْم وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا.

.الحديث الثَّامِن عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لم يروه أحد من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة وَله طرق.
أَحدهَا: عَن حَمْزَة بن أبي حَمْزَة الْجَزرِي النصيببي عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ أَخَذْتُم بقوله اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ عبد بن حميد هَكَذَا فِي مُسْنده وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْفَضَائِل، وَحَمْزَة هَذَا واهٍ، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَا يُسَاوِي فلسًا. وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَحْمد: مطروح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مروياته مَوْضُوعَة. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالموضوعات حَتَّى كَأَنَّهُ كالمتعمد لَهَا، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي، عَن وهب بن جرير، عَن أَبِيه، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ من اقْتَدَى بِشَيْء مِنْهَا اهْتَدَى» رَوَاهُ الْقُضَاعِي فِي مُسْند الشهَاب وجعفر هَذَا واهٍ، قَالَ أَبُو زرْعَة: حدث بِأَحَادِيث لَا أصل لَهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يضع الحَدِيث وَقَالَ مرّة: مَتْرُوك وَقَالَ ابْن عدي: كَانَ يتهم بِوَضْع الحَدِيث وَكَانَ يسرقها، وَيَأْتِي بِالْمَنَاكِيرِ عَن الثِّقَات. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَخْبَار فَلَا يشك أَنه كَانَ يعملها. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: هَذَا الحَدِيث من بلايا جَعْفَر هَذَا.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن جَابر بن عبد الله مَرْفُوعا «مَا لم تُؤْتوا بِهِ من كتاب الله، وَلم يكن مني سنة، فَإلَى أَصْحَابِي فَإِنَّهُم كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَلَى مَا نَقله الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك من حَدِيث جميل بن يزِيد، عَن مَالك، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر وَجَمِيل هَذَا لَا أعرفهُ، وَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم من هَذَا الْوَجْه.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مثل أَصْحَابِي مثل الْملح لَا يصلح الطَّعَام إِلَّا بِهِ، وَمثل أَصْحَابِي مثل النُّجُوم لَا يهتدى إِلَّا بهَا، فَبِأَي قَول أَصْحَابِي أَخَذْتُم بِهِ اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ فِي كتاب السّنة من حَدِيث منْدَل بن عَلّي، عَن جوبير بِهِ. وَهَذَا طَرِيق ضَعِيف جدًّا، منْدَل واه، وجويبر مَتْرُوك، وَالضَّحَّاك ضَعِيف، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُنْقَطع.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر بن الْخطاب رَفعه «سَأَلت رَبِّي فِيمَا اخْتلف فِيهِ أَصْحَابِي من بعدِي، فَأَوْحَى الله إِلَيّ: يَا مُحَمَّد، أَصْحَابك عِنْدِي بِمَنْزِلَة النُّجُوم فِي السَّمَاء بَعْضهَا أَضْوَأ من بعض، فَمن أَخذ بِشَيْء مِمَّا هم عَلَيْهِ من اخْتلَافهمْ فَهُوَ عِنْدِي عَلَى هدى» وَهَذَا ضَعِيف أَيْضا ومنقطع؛ فَإِن سعيد بن الْمسيب لم يسمع من عمر شَيْئا، وَعبد الرَّحْمَن ووالده ضعيفان كَمَا مر فِي أول الْكتاب فِي أثْنَاء بَاب الْوضُوء وَاضحا.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن أنس مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهُ الْبَزَّار فِي جُزْء لَهُ، وَإِسْنَاده ضَعِيف أَيْضا، فتلخص ضعف جَمِيع هَذِه الطّرق، لَا جرم قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي رسَالَته الْكُبْرَى فِي إبِْطَال الْقيَاس والتقليد وَغَيرهمَا: هَذَا خبر مَكْذُوب مَوْضُوع بَاطِل لم يَصح قطّ. قَالَ: وَقَالَ الْحَافِظ أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار: سَأَلْتُم عَمَّا يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فِي أَيدي الْعَامَّة يرويهِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِنَّمَا مثل أَصْحَابِي كَمثل النُّجُوم- أَو قَالَ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ- فبأيها اقتدوا اهتدوا» وَهَذَا الْكَلَام لم يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: وَإِنَّمَا ضعف هَذَا الحَدِيث من قبل عبد الرَّحِيم؛ لِأَن أهل الْعلم سكتوا عَن الرِّوَايَة لحديثه. قَالَ: وَالْكَلَام أَيْضا مُنكر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يثبت، وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَصح الِاخْتِلَاف بعده من الصَّحَابَة. هَذَا نَص كَلَام الْبَزَّار، وَقَالَ ابْن معِين: عبد الرَّحِيم هَذَا كَذَّاب لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.
قَالَ ابْن حزم: وَرَوَاهُ أَيْضا حَمْزَة الْجَزرِي وَهُوَ سَاقِط مَتْرُوك. قَالَ: بل هُوَ مِمَّا يقطع عَلَى أَنه كذب مَوْضُوع؛ لِأَن الصَّحَابَة اخْتلفُوا فَحرم وَاحِد وحلل آخر مِنْهُم ذَلِك الشَّيْء الَّذِي حرمه صَاحبه، وَأوجب بَعضهم وأبطل غَيره مِنْهُم مَا أوجبه صَاحبه، لَو كَانَ هَذَا الْخَبَر حقًّا لكَانَتْ أَحْكَام الله تَعَالَى متضادة فِي الدَّين مُخْتَلفَة حَلَالا وحرامًا معَاذ الله، قد كذب هَذَا بقول الصَّادِق {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} قَالَ فصح أَن الِاخْتِلَاف لَيْسَ إِلَّا من عِنْد غير الله. قلت لَكِن فِي كتاب الِاعْتِقَاد لِلْحَافِظِ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ذكر حَدِيث أبي مُوسَى رَفعه «النُّجُوم أَمَنَة للسماء، إِذا ذهبت النُّجُوم أَتَى أهل السَّمَاء مَا كَانُوا يوعدون، وأصحابي أَمَنَة لأمتي فَإِذا ذهبت أَصْحَابِي أَتَى أمتِي مَا كَانُوا يوعدون» رَوَاهُ مُسلم بِمَعْنَاهُ، رُوِيَ فِي حَدِيث مَوْصُول بِإِسْنَاد غير قوي، وَفِي حَدِيث مُنْقَطع أَنه قَالَ: «مثل أَصْحَابِي كَمثل النُّجُوم فِي السَّمَاء من أَخذ بِنَجْم مِنْهَا اهْتَدَى». قَالَ: وَالَّذِي رَوَيْنَاهُ هَاهُنَا من الحَدِيث الصَّحِيح يُؤَدِّي بعض مَعْنَاهُ.

.الحديث التَّاسِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن فَقَالَ: وَإِن كَانَ جَامِدا ألقوها وَمَا حولهَا، وَإِن كَانَ مَائِعا فأريقوه».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب الْبيُوع.

.الحديث العشْرُونَ إِلَى الحَدِيث السابعِ بعد الْعشْرين:

حَدِيث النَّهْي بعد حَدِيث التَّضْحِيَة بالعوراء. وَقد سلف فِي بَابه.
وَحَدِيث «لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان». وَقد سلف فِي الْبَاب.
وَحَدِيث «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الراكد». وَقد سلف فِي بَابه.
وَحَدِيث «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدافة».
وَحَدِيث «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سهى فَسجدَ».
وَحَدِيث «زنَى مَاعِز فرجم».
وَحَدِيث «بَرِيرَة عتقت فخيرت».
وَحَدِيث «إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر....» الحَدِيث. وكل هَذِه الْأَحَادِيث سلفت فِي مواطنها.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إليَّ، ولعلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ عَلَى نَحْو مَا أسمع، فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذهُ، وَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَفِي رِوَايَة لَهما «أَنه سمع جلبة خصومات فِي حجرته فَخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر....» الحَدِيث، وَفِي آخِره «فَمن قضيت لَهُ بِحَق مُسلم فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَة من النَّار فليحملها أَو يذرها». وَفِي رِوَايَة لَهما «فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه شَيْئا فَلَا يَأْخُذهُ» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «فَبَكَى الرّجلَانِ وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه حَقي لَك، فَقَالَ لَهما النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِذْ فعلتما لذَلِك فاقتسما فَتَوَخَّيَا الْحق ثمَّ اسْتهمَا ثمَّ تحاللا» وَفِي رِوَايَة لَهُ «يختصمان فِي مَوَارِيث وَأَشْيَاء قد درست، قَالَ: قَالَ: فَأَنا أَقْْضِي ببينكما برأيي مَا لم ينزل عَلّي فِيهِ».
ذكر هَذِه الرِّوَايَة وَالَّتِي قبلهَا صَاحب الْإِلْمَام فِي إلمامه قَالَ فِي إسنادهما أُسَامَة بن زيد.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا نحكم بِالظَّاهِرِ، وَالله يتَوَلَّى السرائر».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة وَلَا غَيرهَا، وَسُئِلَ عَنهُ حَافظ زَمَاننَا جمال الدَّين الْمزي فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سنَنه بَاب الحكم بِالظَّاهِرِ. ثمَّ أورد حَدِيث «إِنَّمَا أَنا بشر...» وَقد أوردهُ الرَّافِعِيّ قبل هَذَا.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قصَّة الْمُلَاعنَة: «لَو كنت راجمًا أحدا من غير بَيِّنَة رجمتها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِلَفْظ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْمَعْنى قصَّة الْمُلَاعنَة: «اللَّهُمَّ بَيِّن فَوَضَعته شَبِيها بِالرجلِ الَّذِي ذكر زَوجهَا أَنه وجده عِنْدهَا. ثمَّ قَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس فِي الْمجْلس: هِيَ هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو رجمت أحدا بِغَيْر بَيِّنَة رجمت هَذِه. قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا، تِلْكَ امْرَأَة كَانَت تظهر فِي الْإِسْلَام السوء».

.الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمين».
قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر أَن سُهَيْل بن أبي صَالح رَوَى هَذَا الحَدِيث، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، وسَمعه مِنْهُ ربيعَة، ثمَّ إِنَّه اخْتَلَّ حفظه لشجة أَصَابَته فَكَانَ يَقُول: أَخْبرنِي ربيعَة أَنِّي أخْبرته عَن أبي هُرَيْرَة. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرج الحَدِيث الشَّافِعِي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن سُهَيْل بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الرّبيع: أَنا الشَّافِعِي عَن الدَّرَاورْدِي قَالَ: فَذكرت ذَلِك لسهيل فَقَالَ: أَخْبرنِي ربيعَة- وَهُوَ عِنْدِي ثِقَة- أَنِّي حدثته إِيَّاه وَلَا أحفظه، فَكَانَ سُهَيْل يحدثه بعد، عَن ربيعَة عَنهُ، عَن أَبِيه. قَالَ عبد الْعَزِيز- يَعْنِي الدَّرَاورْدِي-: قد أصَاب سهيلاً عِلّة أذهبت بعض عقله، وَنسي بعض حَدِيثه. وَقَالَ سُلَيْمَان بن بِلَال: لقِيت سهيلاً فَسَأَلته، فَقَالَ: لَا أعرفهُ فَقلت: إِن ربيعَة أَخْبرنِي بِهِ عَنْك قَالَ: إِن كَانَ ربيعَة أخْبرك عني فَحدث بِهِ عَن ربيعَة عني. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عَن سُهَيْل أَيْضا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العامري، وَهُوَ مدنِي ثِقَة. قَالَ: وَرَوَاهُ مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عُثْمَان بن الحكم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن زيد بن ثَابت، قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن أَحْمد بن حَنْبَل: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب- يَعْنِي قضي بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد- حَدِيث أصح من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ فِي خلافياته نقلا عَن الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث عندنَا مَحْفُوظ من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح إِذْ حفظ عَنهُ إِمَام حَافظ متقن مثل ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، وَقد يحدث الْمُحدث الثبت بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينساه. وَقد رُوِيَ الحَدِيث أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العامري، وَمُحَمّد بن زيد الْمَكِّيّ، عَن سُهَيْل بِمثل رِوَايَة ربيعَة عَنهُ، ثمَّ ذكر حَدِيث الْمُغيرَة عَن أبي الزِّنَاد الْمُتَقَدّم، وَنقل عَن يَحْيَى بن معِين أَن أسناده مَحْفُوظ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا حَيْثُ رَوَاهُ سُهَيْل عَن أَبِيه عَنهُ مَرْفُوعا، فَقَالَا: هُوَ صَحِيح. قلت: فَإِن بَعضهم يرويهِ عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن زيد بن ثَابت. قَالَا: وَهَذَا أَيْضا صَحِيح. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث زيد بن ثَابت فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَعُثْمَان بن الحكم- يَعْنِي الَّذِي فِي إِسْنَاد حَدِيث زيد بن ثَابت- لَيْسَ بالمتقن. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: سَأَلت أبي هَل يَصح حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا؟ فَوقف وَقْفَة فَقَالَ ترَى الدَّرَاورْدِي مَا يَقُول؟- يَعْنِي قَوْله قلت لسهيل فَلم يعرفهُ- قلت: فَلَيْسَ نِسْيَان سُهَيْل دافعًا لما حَكَاهُ عَنهُ ربيعَة، وَرَبِيعَة ثِقَة وَالرجل يحدث بِالْحَدِيثِ وينسى. قَالَ: أجل هَكَذَا هُوَ، وَلَكِن لم نرَى أَن يتبعهُ متابع عَلَى رِوَايَته، وَقد رَوَى عَن سُهَيْل جمَاعَة كَثِيرَة لَيْسَ عِنْد أحد مِنْهُم هَذَا الحَدِيث. قلت: إِنَّه يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد؟ قَالَ: أجل غير أَنِّي لَا أرَى هَذَا الحَدِيث أصلا عَن أبي هُرَيْرَة أعتبر بِهِ، وَهَذَا أصل من الْأُصُول لم يُتَابع عَلَيْهِ ربيعَة. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد أسلفنا أَنه رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سُهَيْل كَرِوَايَة ربيعَة عَنهُ، قَالَ الْخَطِيب: تَابع ربيعَة عَلَى رِوَايَته مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يزْدَاد العامري، وَمُحَمّد بن زِيَاد الْمَدِينِيّ فَرَوَاهُ عَن سُهَيْل كَذَلِك، وَرَوَى أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن بِلَال وَأبي أويس وَحَمَّاد بن سَلمَة جَمِيعًا عَن سُهَيْل بِهِ- مثل قَول ربيعَة- وَرَوَاهُ أَبُو سعيد النقاش فِي كتاب الشُّهُود من حَدِيث الْوَلِيد بن عَطاء، عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز، نَا سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: الثَّانِي أَكثر طرقًا وَأَصَح نقلا وَالْأول وهم من زُهَيْر بن مُحَمَّد.

.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى أَن يجلس الخصمان بَين يَدي القَاضِي».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير، عَن جده عبد الله بن الزبير قَالَ: «قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْخَصْمَيْنِ يقعدان بَين يَدي القَاضِي». وَمصْعَب هَذَا ضَعَّفُوهُ، قَالَ يَحْيَى: ضَعِيف. وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. ووهاه ابْن حبَان وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه «أَن أَبَاهُ عبد الله بن الزبير كَانَت بَينه وَبَين أَخِيه عَمْرو بن الزبير خُصُومَة فَدخل عبد الله بن الزبير عَلَى سعيد بن الْعَاصِ وَعَمْرو بن الزبير مَعَه عَلَى السرير، فَقَالَ سعيد لعبد الله: هَاهُنَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ سعيد: قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسنة رَسُول الله أَن الْخَصْمَيْنِ يقعدان بَين يَدي الْحَاكِم».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: لَا؛ لأجل مُصعب فقد علمت حَاله، ثمَّ اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى قعُود الْخَصْمَيْنِ بَين يَدي القَاضِي، وَقد علمت مَا فِيهِ، فيستدل لَهُ إِذن بِحَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه السالف فِي بَاب الْقَضَاء، وَهُوَ الحَدِيث الرَّابِع فَتَأَمّله.
فَائِدَة: فِي المعجم الْكَبِير للطبراني من حَدِيث زُهَيْر، نَا عباد بن كثير، عَن أبي عبد الله، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أم سَلمَة رفعته «من ابْتُلِيَ بِالْقضَاءِ بَين الْمُسلمين فليعدل بَينهم فِي لحظه وإشارته ومقعده ومجلسه وَبِه قَالَ من ابْتُلِيَ بِالْقضَاءِ بَين الْمُسلمين فَلَا يرفع صَوته عَلَى أحد الْخَصْمَيْنِ مَا لَا يرفع عَلَى الآخر».